إعلم رحمك الله أنّه لا يجوز الإنكارُ على القوم إلّا بعد معرفةِ مصطلحهم في ألفاظهم ثمّ إذا رأينا بعد ذلك كلامهم مخالفا للشريعة رمينا به، وقال الشيخ مجد الدين الفيروزابادي صاحبُ كتابِ القاموس في اللّغة لا يجوز لأحد أن يُنكر على القوم ببادئِ الرّأي ، لِعُلُوِّ مراتبهم في الفهم والكشف، قال ولمْ يَبْلُغْنا عن أحد منهم أنّه أمر بشيئ يهدم الدين، ولانهى أحدا عن الوُضوء ولا عن الصلاة ولا غيرِهما من فروض الإسلام ومستحبّاتِه إنّما يتكلّمون بكلام يدقُّ عن الأفهام، وكان يقول قد يبلغ القومُ في المقامات ودرجاتِ العلوم إلى المقامات المجهولة والعلوم المجهولة الّتي لم يُصرَّح بها في كتاب ولاسنّة، ولكن اكابر العلماء العاملين قد يردّون ذلك إلى الكتاب والسنّة بطريقٍ دقيقٍ لحُسنِ استنباطهم وحسن ظنّهم بالصالحين، ولكن ما كلُّ أحدٍ يتربّصُ إذا سمع كلاما لا يفهم، بل يبادر إلى الإنكار على صاحبه، وخُلق الإنسانُ عجولا، قال وناهِيْكَ بأبي العبّاس بن سُريج في العلم والفهم، تَنَكَّرَ مرّة، ثمّ حضر مجلسَ أبي القاسم الجنيد لِيَسْمَعَ منه شيئاممّا يُشَاعُ عن الصوفيّة، فلما انصرف قالوا له ماوجدت؟ قال لم أَفْهَمْ من كلامهم شيئا، إلّا أنّ صَوْلَةَ الكلام ليستْ بِصَوْلَةِ مُبْطِلٍ ، (اليواقيت والجواهر – الجزء الأوّل – ص 10 )