1966 – 67 களில் நான் இந்தியா – தமிழ் நாடு வேலூர் “அல் பாகியாதுஸ் ஸாலிஹாத்” அறபுக் கல்லூரியில் கல்வி கற்றுக் கொண்டிருந்தேன். என்னுடன் தமிழ் நாடு அதிராம் பட்டணத்தைச் சேர்ந்த அப்துல் பத்தாஹ் என்பவரும் ஓதிக் கொண்டிருந்தார். நாங்கள் இருவரும் மிக நெருங்கிய நண்பர்களாக இருந்தோம். நான் பெரிய வகுப்பிலும், அவர் சிறிய வகுப்பிலும் கல்வி கற்றாலும் இருவரும் ஓர் அறையிலேயே தங்கியிருந்தோம்.
நான் இலங்கை நாட்டுக்கு வந்த பிறகு அவருடன் கடிதத் தொடர்போடுதான் இருந்தேன். அதன் பின் சுமார் 20 வருடங்களின் பிறகு 1989ம் ஆண்டுதான் அவரை நேரில் சந்தித்தேன். அவ்வேளை அவர் சென்னை மஸ்ஜித் மஃமூர் எதிரில் அங்கப்ப நாயகன் தெருவில் கடை வைத்திருந்தார். ஏதோ ஒரு பத்திரிகை ஆசிரியராகவும் இருந்தார்.
ஹைதறாபாத் அஷ்ஷெய்கு நூரிஷாஹ் அவர்களின் தரீகாவின் ஒரு “கலீபா”வாகவும் இருந்தார்.
சென்னையில் சில நாட்கள் அவருடன் தங்கியிருந்தேன். அவருக்கும், எனக்கும் இறைஞானம் வெளிப்படையாகவும், படிக்காதவர்கள் மத்தியிலும் பேசுவது தொடர்பாக கருத்து வேறுபாடுகள் இருந்தன. எனினும் நாங்கள் ஒற்றுமையாகவே இருந்தோம்.
அவர் “ஷரீஆ” வை முதலில் மக்கள் மத்தியில் கூறி அவர்களை அதில் நிலை பெறச் செய்த பிறகுதான் அவர்களுக்கு இறைஞானம் சொல்லிக் கொடுக்க வேண்டும், அதற்கு முன் சொல்லிக் கொடுக்கலாகாதென்ற கருத்துள்ளவராக இருந்தார். நானோ ஒரே நேரத்தில் இரண்டையும் சொல்லிக் கொடுக்க வேண்டுமென்ற கருத்துள்ளவனாக இருந்தேன்.
சென்னையிலிருந்து அவரைப் பிரியும் போது நான் இலங்கை சென்ற பின் உங்களுக்கு எனது கருத்து தொடர்பாக ஒரு கடிதம் எழுதுவேன் என்று கூறிவிட்டு இரு வருடங்களின் பின் 1989ம் ஆண்டு அவருக்கு அறபியில் ஒரு கடிதம் அனுப்பி வைத்தேன்.
அதில் எனது கருத்தை வலியுறுத்தி அதற்கான ஆதாரங்களுடன் நான் அனுப்பிய அறபுக் கடிதமே இக்கடிதம்.
நண்பருக்கு எனது கடிதம் கிடைத்த பின் அதை ஹைதறாபாத்திலிருந்த தனது ஷெய்கு அவர்களுக்கு அவர் அனுப்பியிருந்தார்.
அவர்கள் அதை வாசித்து விட்டு இவர் கூறுவதிலும் அர்த்தமுண்டு என்றும், இவரை எனது மரணத்திற்கு முன் ஒரு தரமாவது சந்திக்க வேண்டும் என்றும் கூறியுள்ளார்கள். ஆயினும் அதற்கு முன் இறையடி சேர்ந்து விட்டார்கள். இன்னா லில்லாஹி வஇன்னா இலைஹி றாஜிஊன்.
சுமார் 33 வருடங்களின் பின் 1989ம் ஆண்டு எழுதிய கடிதத்தின் பிரதியொன்று எனது பழைய ஆவணங்களுள்ள பெட்டியிலிருந்து நேற்று 20.02.2022 எனக்கு கிடைத்தது.
இக்கடிதம் இக்கால கட்டத்திற்கு மிகப் பொருத்தமானதென்று நான் உணர்ந்ததால் “வஹ்ததுல் வுஜூத்” ஞானத்தை பகிரங்கமாகப் பேசக் கூடாதென்று அடம் பிடிக்கும் உலமாஉகளின் நன்மை கருதி இதை வெளியிடுகிறேன்.
இந்தக் கடிதத்தின் தமிழாக்கமும், இது தொடர்பான ஏனைய விளக்கங்களும் விரைவில் வெளிவரும். இன்ஷா அல்லாஹ்!
காதிமுல் கவ்மி,
மௌலவீ அல்ஹாஜ் A அப்துர் றஊப் மிஸ்பாஹீ பஹ்ஜீ
21.02.2022
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي أوجب على العارفين إظهار الحكمة، والصلاة والسّلام على من دعا النّاس إلى سبيل ربّه بالحكمة، وعلى آله وصحبه أولي الهداية والحكمة، وبعد،
فإلى الأخ فى الله أفضل العلماء الشّيخ عبد الفتّاح ظهوري الباقوي، طوّل الله حياته وحفظه ورعاه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أخوك فى الله عبد الرؤوف، أنا فى صحّة كاملة، وأتمنّى لك ولأهلك ولأولادك العافية والخير والصلاح، تسلّمت خطابك المؤرّخ بتاريخ 4 نوفمبر 1989 فى تاريخ 19 نوفمبر 1989 وفهمت مضمون الخطاب وفرحت بردّك الجواب إليّ مع وجود أشغال لك كثيرة، من ترجمة الإقامة وجواز السفر وترجمة الخطاب العربيّ، فجوابك دلّني على دوام المحبّة فى قلبك، وشكرا لك،
يا صديقي عبد الفتّاح! ما أردت بكتابة الخطاب إليك بالعربيّة إلّا الخير لي ولك، وما قصدت به إلّا وجه الله تعالى، فلا تظنّ بي سوء، لأنّي أخوك فى الله وصديقك المخلص منذ تسعة عشـرة سنة، لا أريد لك إلّا خيرا وما أريد منك إلّا خيرا، وأنا أقول لك ما عرفت من المعاني والآراء من حيث الأخوّة الإسلاميّة والصداقة الصادقة والخلّة الصافية، فلا فخر لي فى هذا ولا علوّ، لأنّي فقير فى العلم وحقير فى الحال، أطلب الحكمة وأطير لنيلها طيران الطيور، لأنّها ضالّتي، آخذها حيث أجدها، ولو خرجت من راعى الغنم أو عابد الصنم،
ولمّا قرأت خطابك تعجّبت ممّا كتبت فيه من المعاني والآراء، لأنّك قلت فى الخطاب أنّ إظهار الحكمة بين العوامّ وإفشائها بين الجهلاء الّذين لا يعرفون البدايات والنّهايات خطأ فاحش، وكذلك إظهارها لمن لم يزكّ نفسه من الشهوات ولم يطهّر قلبه من الهفوات والرذائل الشيطانيّة، والخطرات النفسانيّة، وقلتَ أيضا إنّ تزكية النّفس مقدَّمة على تعليم الكتاب، وتعليم الكتاب مقدّم على تعليم الحكمة واستدللت لقولك هذا آية من سورة الجمعة، والله يفتح قلبك ويريك ملكوت السموات والأرض ويوصلك إلى ميدان العارفين والمحقّقين ومغناهم، ويذيقك أذواق المكاشفين والمشاهدين،
واعلم يا أخي عبد الفتّاح! أنّ إظهار الحكمة للنّاس جميعا واجب بل هو فرض عين على من عرفها على ما هي عليها، وليس الأمر كما زعمت، وكما قلت، وكم من عالم زرته فى عمري يقول مثل ما تقول من لزوم إخفاء الحكمة بين العوام وإسرارها بالدلائل النقليّة والعقليّة فيسكتون سكوت المغشيّ عليه ولا يجيبون ولا يأتون بأيّ برهان لمنع إظهار الحكمة بل لوجوب إظهارها بين العوامّ والخواصّ على السواء، فهِمَهَا من فَهِمَها وجَهِلَها من جَهِلَها، وها أنا أذكر لك بعض الآيات من القرآن الكريم لوجوب إظهار الحكمة لجميع النّاس، من غير تقييد بعلم أو صلاحية أو أهليّة،
وقد قال الله تعالى فى سورة النّحل ”اُدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة “، وقد أمر الله نبيّه عليه الصّلام والسّلام فى هذه الآية بالدّعوة إلى سبيله بالحكمة، فهذه آية صريحة لجواز إظهار الحكمة بين العوامّ والخواصّ ولوجوب إظهارها، وواضحة أيضا لجواز إفشائها مطلقا، ولو كان المخاطب عالما أو جاهلا صالحاأو طالحا، لأنّ الله تعالى لم يذكر مفعول ادع من قوله ادع إلى سبيل ربّك، والمفعول هنا محذوف، تقديره ” ادع النّاس إلى سبيل ربّك “ كما فى التفاسير، فقد أطلق الله سبحانه قوله وادع فى هذه الآية، ولم يخصّ أحدا من النّاس، ومعلوم أنّ لفظة ” الناس “ تشمل الكافر والمسلم والصغير والكبير والعالم والجاهل والمطهّر قلبه والمنجّس والذّكر والأنثى، ولم يقل الله فى الآية ادع الخواصّ أو العالم أو المزكّي نفسه أو المطهّر قلبه أو ما أشبهها ممّا يخصّ أحدا، فلم يخصّ بوجه من الوجوه،
فظهر ممّا ذكر أنّ المخاطب بالحكمة والمدعوّ بها لا يشترط فيه أيّ شرط ولا يقيّد فيه بأيّ قيد من العلم والصلاحية والأهليّة وتزكية النّفس وتصفية القلب وغيرها لكون لفظة ” النّاس “ المحذوفة عامّا يعمّ كلّ فرد من أفراد الإنسان، وهذا هو الأمر الأوّل المفهوم من الآية المذكورة،
والأمر الثاني أنّ الآية المذكورة تدلّ على وجوب إظهار الحكمة وإفشائها دلالة واضحة من غير شكّ ولا ريب، لأنّ الله تعالى أمر نبيّة صلّى الله عليه وسلّم بالدعوة بالحكمة بدون إظهارها وإفشائها، فالدعوة بدون الإظهار أمر غير معقول، لأنّ الإظهار لازم للدّعوة كما أنّ التلفّظ لازم للقول، فكيف دعا النّبيّ كفّار مكّة، هل دعا بالحكمة كما أمره الله أو بغيرها، فمعلوم أنّه دعاهم بالحكمة كما أمره الله لعدم تصوّر المخالفة والمعصية منه لكونه نبيّا معصوما، وهل دعاهم بإظهار الحكمة أوبإسرارها، فلا شكّ أنّه دعاهم بإظهار الحكمة، لأنّ الدعوة بالحكمة لا تكون إلّا بإظهارها ولا يتصوّر الدّعوة بالحكمة إلّا بإفشائها، فكيف يمكن لعاقل أن يقول إنّ إظهار الحكمة محرّم أو غير جائز أو غير مناسب؟ وكيف يمكن له أيضا أن يقيّد ما أطلقه الله بقيد ويقول بجواز إظهارها لقوم مخصوصين فقط؟
فظهر ممّا ذكر أنّ إظهار الحكمة جائز بل واجب على من عرفها حقّ المعرفة، وفى الآية المذكورة دليل واضح وبرهان ساطع لجواز إظهار الحكمة، هذا هو الأمر الثاني المفهوم من الآية المذكورة،
والأمر الثالث أنّ الداعي للنّاس إلى سبيل الله إمّا يدعوهم بالحكمة أوّلا، وإمّا يدعوهم بالموعظة الحسنة أوّلا، فهو مخيّر بين تقديم الحكمة وتقديم الموعظة الحسنة، لا هو مخيّر بين أخذ الحكمة وترك الموعظة وأخذ الموعظة وترك الحكمة، بل يلزم عليه الأمران المذكوران فى الآية الحكمة والموعظة، لأنّ الواو العاطفة تقتضـي التشـريك بينهما، ولا تقتضـي الترتيب كالفاء العاطفة،
فعلم ممّا ذكر أنّ الداعي إلى سبيل الله يدعو النّاس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكنّه يقدّم ما شاء، إن شاء قدّم الحكمة وإن شاء قدّم الموعظة، فله الإختيار فى تقديم ما شاء منهما،
وأمّا قول العارفين إفشاء سرّ الربوبيّة كفر فمحمول على السرّ المصون الّذي لا يعلمه إلّا الراسخون فى العلم والمكاشفون، ولا يخفى عليك أنّ الحكمة نوعان، حكمة مسكوت عنها، وحكمة منطوق بها، فالحكمة المسكوت عنها هي السرّ المصون الّذي قال عنه العارفون إفشاء سرّ الربوبيّة كفر، والحكمة المنطوق بها هي الحكمة التي نبحث عنها، فإن كانت الحكمة الّتي نحن الآن فى بحثها هو السرَّ المصونَ المَنْهِيَّ عنه لَمَا أمر الله نبيّه بإظهارها، وبعض من العلماء يستدلّ بقول العارفين إفشاء سرّ الربوبيّة كفر على حرمة إظهار الحكمة المذكورة فى القرآن، فهذا جهل منه بالقرآن وجهل منه بالفرق بين السرّ المصون والحكمة،
ويا أخي فى الله عبد الفتّاح! اسْتَدْلَلْتَ لمنع إظهار الحكمة مطلقا ولجواز إظهاره لقوم مخصوصين بعد تزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم وبعد تعليم الكتاب لهم بقوله تعالى ”هو الّذي بعث في الأمِّيِّين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة “، وزعمت أنّ تعليم الحكمة مؤخّر عن تزكية النفوس وعن تعليم الكتاب لورود الآية على هذا الترتيب، فليس الأمر كما زعمت، لأنّ الوا العاطفة من قوله تعالى يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة تقتضى التشريك فقط لا الترتيب كما هو مبسوط فى فنّ النحو، فلا حاجة إلى تفصيله هنا، والمعنى أنّ الله بعث رسوله يتلو عليهم آياته تعالى ويزكّيهم عن الأدناس الشركيّة ويعلّمهم الكتاب والحكمة، فافهم والله يفتح قلبك،
ويا أخي عبد الفتّاح! إنّ الله سبحانه أرسل رسوله صلّى الله عليه وسلّم لإظهار دينه لا لإخفائه، كما قال الله تعالى فى سورة التوبة ”هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشـركون“ والهاء من قوله تعالى ليظهره يعود على دين الحقّ، فلزم على النّبي صلّى الله عليه وسلّم إظهار دينه، فأظهره إظهارا بيّنا، ما أسرّه وما أخفاه،
ولا يخفى عليك أيّها الصديق الصدوق أنّ لفظة ” الدين “ تشتمل الإيمان والإسلام والإخلاص جميعا، لا الإيمان والإسلام فقط، كما زعم علماء الرسوم وأهلُ جماعة التبليغ، فإنّهم يتكلّمون ويحدّثون عن الإيمان والإسلام فقط، ولا يتكلّمون عن الإخلاص أصلا، لظنّهم أنّ الإخلاص ليس من الدين أو لجهلهم به، أو لزعمهم أنّ الإخلاص مختصّ بالمشائخ أو بأهل الطرائق، ولكنّهم يقولون بأفواههم نحن قوم طعامنا وشرابنا إحياء الدين مع كونهم جاهلين بأمور الدين الثلاثة، ويظنّون بجهلهم أنّ الأمور الدينيّة هي الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وغيرها من الأعمال الصالحة، ولا يدرون ما تشتمل لفظة ” الدّين “، والدليل القاطع لشمول لفظة ” الدين “ الأمورَ الثلاثة المذكورة قولُ الرسول صلّى الله عليه وسلّم فى حديث ”هذا جبريل أتاكم ليعلّمكم أمور دينكم “ وفى رواية ليعلّمكم دينكم بعد سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام والإخلاص،
فظهر وتبيّن ممّا ذكر أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنّما بعث نبيّا لإظهار الدين بين النّاس لا لإخفائه ولا لإسراره، وأنّه يجب إظهار الإخلاص كما بجب إظهار الإيمان والإسلام لشمول لفظة ” الدين “ هذه الأمرو الثلاثة، ولا يخفى على من أمعن النظر فى القرآن والحديث أنّ الإخلاص هو الحكمة فى الحقيقة، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم أجاب جبريل حين سئله عن الإخلاص بقوله الجامع ” أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك “ فاجعل قوله صلّى الله عليه وسلّم ” فإن لم تكن “ شرطا وقوله ” تراه “ جوابا له بحذف الألف واجعل قوله ”فإنّه يراك “ جملة مستأنفة، ولا تجعل قوله ”فإن لم تكن تراه “ شرطا وقوله ”فإنّه يراك “ جوابا له كما يقول علماء الرسومِ والجنون لفساد المعنى حينئذ، فإن لم تجعل كما ذكرت فلا يصحّ لك المعنى أصلا، فإن جعلت كما قلتُ صحّ لك المعنى وحصل المراد، والمعنى حينئذ فإذا فنيت عنك وعن كلّ ما سوى الله رأيته، وهذا الحديث يشير إلى مقام الفناء الثلاثة الفناء فى الله وفى الرسول وفى الشّيخ، والكلام عن الفناء مبسوط فى علم الحكمة التي هي عين علم وحدة الوجود ،
فتلخّص ممّا ذكر أنّ الدين يشمل الإخلاص كما يشمل الإيمان والإسلام وأنّ إظهار الدين واجب على من عرف الدين، فكيف يمكن للعاقل أو الأخ فى الله عبد الفتّاح الأدرمي الهندي الظهوري الباقوي أن يقول أنّ إظهار الدين على رؤوس الأشهاد محرّم أو غير جائز أو غير مناسب؟
ويا صديقي فى الله عبد الفتّاح! إنّ قائلا يقول إنّ إظهار ما لا يطيقه عقلُ المخاطب والعوامّ والجهلاء كإلقاء الجواهر واللّآلي بين الكلاب والجواميس وتقليد الياقوت عنق الخنازير، وقوله هذا صحيح ومعقول إن كان المخاطبون كلّهم جهلاء وحمقى وبُلها، وأمّا إذا كان المخاطبون كلّهم عقلاء وعلماء أو بعضهم عقلاء وبعضهم جهلاء فقوله هذا لا يناسب ولا يصحّ بل هو واضح البطلان، لأنّ الله تعالى أنزل القرآن باللّغة العربيّة لجميع النّاس فى العالم عقلائهم وجهلائهم صغارهم وكبارهم مع كونه تعالى خبيرا بأسرارهم وأحوالهم وعليما بمقدار علومهم وعقولهم، فلم يبال ربّ العزّة بأحوال المخاطبين ولم يراع مِقْدارَ علومِهم وعقولهم، بل أطلق كلامه من محكمات ومتشابهات ومجملات ومفصّلات، آمن بالقرآن من آمن به وكفر به من كفر به، قبِلَه من قَبِلَه، وردّه من ردّه، وعلى قول القائل بمنع إظهار ما لا يطيقه عقل المخاطب كان الله كمن أظهر ما لا يطيقه عقل المخاطب وكان أيضا كمن ألقى الجواهر واللّآلي بين الكلاب والجواميس، هذا فعل الجهلاء والمجانين، والله سبحانه منزّه عن الجهل والجنون، سبحان الله وهو حكيم عليم، وقويّ متين، وخبير بصير،
يا صديقي عبد الفتّاح! أنا أذكر لك مثالا لجواز إظهار الحكمة بين النّاس مطلقا ولجواز إظهار ما لا يطيقه عقل المخاطبين، وهذا مثال ذكره الأستاذ علي ابن وفا رضي الله عنه حين سُئِل عن إظهار ما لا يفهمه المخاطبون ولا يطيقه عقولهم، إنّ الله سبحانه وتعالى أطلع شمس الظهيرة ونشـر شعاعها مع إضراره بأبصار الخفافيش ونحوها من أصحاب الأمزجة الضعيفة مع كونه عالما حكيما، ولم يترك الله إظهار شعاع شمس الظهيرة مراعاة لأبصارمن ضَعُفَ بصـرُه ومزاجُه، فكذلك العارفون أظهروا الحكمة بين النّاس جهرا بكلامهم وكتابتهم ولم يتركوا إظهارها مراعاة لأفهام القاصرين والناقصين، فَلَنَا فيهم أسوةٌ حسنة كما قيل وكلُّ خير فى اتباع من سلف وكلُّ شرّ فى ابتداع مَنْ خَلَفَ،
ويا صديقي فى الله عبد الفتّاح! كتبت لك ما خطر ببالي من حيث أنّك صديق لي صدوق وسالك طريق الحقّ وعارف بعلوم القوم أهل الشّهود والذّوق، لا من حيث أنِّي أعلم منك أو أعرف، وفوق كلّ ذي علم عليم،
والسلام،
والباقي بعد الجواب أو بعد الملاقاة فى التاريخ العاشر من ديسمبر إن شاء الله،